alt
مكتب عبد الرزاق عبد الله ومشاركوه للمحاماة & الإستشارات القانونية منذ 1972

أحدث مقالاتنا

أبق على تواصل

رأي قانوني تفشي «كورونا».. وأثره في عقود الإيجار بالكويت

لقد أسهم تفشي فيروس كورونا في حدوث كثير من الاضطرابات والاختلالات في مختلف القطاعات التجارية والمهنية بدولة الكويت. ومما لاشك فيه، أن الاجراءات الوقائية التي اتخذتها حكومة دولة الكويت من تعطيل للعمل بالمصالح الحكومية، ووقف حركة الطيران من وإلى دولة الكويت، وفرض حظر التجول الجزئي، ووقف بعض الانشطة سواء كلياً أو جزئياً، الهدف منها جميعها واحد، وهو الحفاظ على النفس البشرية عن طريق الحد من تفشي الفيروس ونقل العدوى بين المقيمين داخل دولة الكويت. وتبدو جليةً الاثار التي رتبتها تلك الاجراءات على القطاع العقاري في الدولة؛ إذ أدت إلى انخفاض حركة البيع والشراء والايجار فيه بشكل ملحوظ. بل أكثر من ذلك، فقد أدى وقف العمل ببعض الشركات والمؤسسات داخل دولة الكويت إلى عدم قدرة أصحاب هذه الشركات والمؤسسات على أداء الايجارات الخاصة بها، كما أسهم وقف الرواتب وعدم أدائها كلياً أو جزئياً إلى عدم قدرة كثير العمال على الوفاء بالاجرة الخاصة بأماكن سكنهم.

لكل هذا، ثار تساؤل في الآونة الاخيرة عن أثر الظروف الراهنة في عقود الايجار السارية، وعما إذا كان يحق للمستأجرين، سواء أكانوا شركات أم أفرادا طبيعيين، المطالبة بالاعفاء من الاجرة أو تخفيضها استناداً لتلك الحالة الطارئة، وأخيراً إذا ما قوبلت تلك المطالبات بالرفض من قبل المؤجرين، ما الأثر المترتب على عدم الوفاء بالاجرة كاملة في مواعيد استحقاقها؟

يسري على منازعات الايجار- سواء في الظروف العادية أو الطارئة- قانون الايجارات الكويتي رقم 35 لسنة 1978. وفي حالة عدم وجود نص يحكم المسألة موضوع النزاع، يتم الرجوع إلى القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 باعتباره الشريعة العامة، وبصفة خاصة المواد من (561 – 648) الخاصة بعقد الايجار.

لقد ترتب على هذه القرارات السابقة عدم استفادة كثير من الشركات وأصحاب الاعمال بمقار العمل الخاصة بهم، إما كليةً نتيجة وقف أنشطتهم تماماً خلال تلك الفترة، أو عدم انتفاعهم بهذه المقار إلا بشكل جزئي يختلف عن الانتفاع المعتاد المقرر في الظروف العادية.

لجأ كثير من مستأجري المحال التجارية والمكاتب الادارية المتضررة من الوضع الراهن إلى التفاوض مع مؤجري هذه الأماكن، وقد نجح كثير منهم في الاتفاق مع هؤلاء المؤجرين على تخفيض الأجرة، بل إن البعض فوجئ بإعفائه كليا من الأجرة أثناء الظروف الراهنة. وعلى الجانب الاخر، قوبل طلب البعض الاخر- سواء بالاعفاء من الاجرة أو تخفيضها – بالرفض تام، مما حداهم إلى اللجوء إلى الطريق القانوني لاستبيان حقوقهم التي قررها لهم المشرع الكويتي في هذا الصدد.

وقد تناولت المادة (581) من القانون المدني الكويتي هذا الوضع، فأجازت لكل مستأجر نقص – أو من باب أولى انعدم – انتفاعه بالعين المستأجرة نتيجة قرارات السلطات العامة بدولة الكويت، أن يطلب إما فسخ عقد الايجار أو إنقاص الاجرة المستحقة عليه، وهو بالخيار بين هذين الامرين.

عقود الوحدات السكنية

ويثور التساؤل حول مدى امكانية تطبيق النص السابق على عقود ايجار الاماكن السكنية كذلك، أم أنه يسري فقط على عقود ايجار الوحدات التجارية والادارية؟ وهل يحق لمستأجري الوحدات السكنية المطالبة بفسخ العقد أو تخفيض الاجرة كذلك في الوقت الراهن؟

نجيب عن التساؤل السابق صراحةً بأنه لا يمكننا إنزال النص سالف الذكر أو تطبيقه على عقود ايجار الوحدات السكنية؛ حيث لا يتصور أن يقل انتفاع المستأجر بالوحدة السكنية خلال الفترة الراهنة؛ إذ زاد بقاء الاشخاص في منازلهم أكثر من المعتاد خلال هذه الفترة. وقد أوجد المشرع الكويتي حلاً لهذه المشكلة التي يشكل فيها تنفيذ عقد ايجار الوحدات السكنية عبئاً مرهقاً على عاتق المستأجر، حيث نصت المادة (610) من القانون المدني الكويتي على أنه في حال طرأت ظروف غير متوقعة من شأنها أن تجعل الايجار مرهقاً بالنسبة للمستأجر، فإنه يجوز له طلب انهاء عقد الايجار.

بعد أن تعرضنا لأثر الظروف الراهنة في كلٍ من الوحدات التجارية والسكنية، نطرح تحت هذا البند تساؤلا جديدا غاية في الأهمية يتعلق بطريقة انقاص الأجرة بناءً على النصوص السابقة، فهل يؤدي المستأجر الأجرة المستحقة للمؤجر بعد أن يخصم منها ما يتراءى له أنه مستحق الخصم، بناءً على الوضع الراهن والنصوص السابقة (الخصم من المنبع)؟ أم يلتزم المستأجر بأن يؤديها له كاملةً وفقاً للعقد، على أن يطلب بعد ذلك وعن طريق دعوى قضائية مستقلة تخفيض الاجرة؟

نرى أنه يتعين على المستأجر أن يقوم بأداء الاجرة المتفق عليها عقدياً كاملةً وفي ميعادها القانوني دون أي تأخير، على أن يطلب فسخ العقد أو إنهاءه أو تخفيض الاجرة بعد ذلك عن طريق دعوى قضائية مبتدأة؛ وذلك لثلاثة أسباب:

السبب الأول: أن المشرع الكويتي قد تناول هذا الفرض بنص خاص وواضح هو نص المادة 10 من قانون الايجارات الكويتي التي تنص على أنه «إذا قام نزاع بين المستأجر والمؤجر حول الأجرة أو الخصم منها أو إنقاصها فان ذلك لا يعفي المستأجر من التزامه بدفع الأجرة كاملة في مواعيد استحقاقها، وذلك الى أن يفصل في هذا النزاع بحكم قضائي نهائي أو يحسم باتفاق مكتوب بين الطرفين وإلا اعتبر متخلفا عن أداء الأجرة».

السبب الثاني: أن النصوص سالفة الذكر – سواء 581 أو 610 أو 621 مدني – أعطت للمستأجر الحق في طلب فسخ عقد الايجار أو إنهائه أو تخفيض الأجرة، وفارقٌ كبيرٌ بين (الحق في طلب الشيء) و(الحق في الشيء نفسه)، إذ إن العبارة الاولى تعني أن الحق ليس في الشيء نفسه، وإنما في المطالبة به، وبالتالي يضحي كل اقتضاء مباشر للشيء دون مطالبة به اقتضاء غير مشروع.

السبب الثالث: إذا افترضنا أن أحد المستأجرين رأى وفقاً لتقديره الشخصي انطباق أحد النصوص السابقة عليه، وقام بناءً على ذلك بتخفيض الاجرة بنفسه ودون اللجوء للقضاء، فإذا قام المؤجر برفع دعوى قضائية للمطالبة بفسخ العقد وطلب التعويض وإخلاء العين المستأجرة تأسيساً على عدم سداد الاجرة في موعدها، ففي هذه الحالة ستجيبه المحكمة لطلباته، خاصةً إذا ما رأت عدم انطباق النص الذي يقرر تخفيض الاجرة على تلك الحالة. ولهذا، فإننا نذهب إلى أنه يتعين على المستأجر أن يقوم بأداء الاجرة المتفق عليها كاملةً في موعدها، وإذا رأى أنه يجوز له فسخ العقد أو المطالبة بتخفيض الأجرة استناداً إلى أي من النصوص السابقة، فيتعيّن عليه أن يقيم دعوى قضائية بهذه المطالبة؛ فإذا وفق في مسعاه، كان له ما أراد، وإذا لم يوفق، كان بمأمن من رجوع المؤجر عليه بدعوى الفسخ والتعويض.

عبدالرزاق عبدالله

المصدر    https://www.alqabas.com

المزيد من مقالاتنا
This site is registered on wpml.org as a development site.